جميعكم راحل، الكل سوف يموت، وهذا معلومًا أمّا المجهول الأين والكيف. فماذا لو كان موتكم بعد قليل أو ماذا كان موتكم بعد ألف عام فمن يدري في أي ساعة تفارق روحه الجسد؟ من يعلم في أي أرض يموت؟ من يدري كيف يموت؟ أيقتل أم يموت يمرض أم بغير ذلك؟ من يعرف؟ لا أحد، فلماذا لا يأخذ من بقيَ العبر ممن رحل؟
أوليس الأجدر بنا أن نحيا حياة طيبة بلا غل أو حقد أو خبث أو شر أو ضغينة!
حريٌّ بنا أن نقدم يد المعونة لبعضنا البعض بروح الإنسانية، فلا بأس من تمني الخير لغيرنا من البشر إن رأينا عليهم علامات الرخاء والنعمة وإن كنا لا نملك منه شيئًا، فالله العدل عندما قسم الأرزاق وتفضل على كل منا بالنعم أو اختبر أي منا ببلاء أو حرمان ونقص فذلك لحكمة هو أعلم بها منا، وتبقى القناعة كنز الأغنياء بنفوسهم العزيزة وأما الطمع والشر فهو من صفات النفوس الدنيئة، فحذار من الوقوع في مكيدة الشيطان ومراوغة النفس الأمارة بالسوء. يا أيّها النّاس اسمحوا لحبّ الخير وفعل الصالحات أن يملأ قلوبكم لعلّ ذلك يكون سبب سعادتكم في الدارين.
واخيرًا وليس آخرًا، أختم بأبيات شعرية تنسب لسيد الكلام وأمير البلاغة والفصاحة الإمام علي عليه السلام:
يـــا مــــــــــن بـدنيــاه أشـتـغــل
قد غرّهُ طــــــــول الأمــــــــل.
المــــــــوتُ يأتـي بغتــــــــة
والقبرُ صندوق العمــــــــل.
**
النّفس تبكي على الدّنيا وقد علمت
أن السّعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلّا الّتي كان قبل الموت بانيهافإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه
وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها
ودورنا لخراب الدّهر نبنيها
أين الملوك التي كانت مسلطنةً
حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائن في الآفاق قد بنيت
أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
لا تركننّ إلى الدّنيا وما فيها
فالموت لا شكّ يفنينا ويفنيها
لكلّ نفس وإن كانت على وجل
من المنيّة آمال تقوّيها
المرء يبسطها والدّهر يقبضها
والنّفس تنشرها والموت يطويها
إنما المكارم أخلاق مطهّرة
الدّين أولّها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها
والجود خامسها والفضل سادسها
والبرّ سابعها والشّكر ثامنها
والصّبر تاسعها والّلين باقيها
والنّفس تعلم أنّي لا أصادقها
ولست أرشد إلا حين أعصيها
واعمل لدار غداً رضوان خازنها
والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها
والزّعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبنٌ محمّضٌ ومن عسل
والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطّير تجري على الأغصان عاكفةً
تسبّحُ الله جهراً في مغانيها
من يشتري الدّار في الفردوس يعمرها
بركعةِ في ظلام الّليل يحييها.